في يوم الأسير الفلسطيني، الذي يحييه الفلسطينيون في السابع عشر من أبريل من كل عام، يواجه الأسرى الفلسطينيون أسوأ ظروفٍ حياتية على الإطلاق. فمنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 المستمرة منذ 18 شهراً شهدت أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية تنكيلاً غير مسبوق، مع تزايد حالات القتل تحت التعذيب والإهمال الصحي والإخفاء القسري والاعتقال في معسكرات جماعية.
ووصل عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال إلى أعلى رقم في تاريخ الصراع، وبحسب الأرقام المعلنة هناك نحو 10.000 أسير فلسطيني بينهم مئات الأطفال والنساء، في ظروف تهدد حياتهم بشكل مستمر، وهذا المعطى لا يشمل معتقلي غزة كافة، تحديداً المحتجزين في المعسكرات التابعة للجيش مثل "سدي تيمان" الذين لا يعرف عددهم على وجه التحديد.
وتزداد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين بشكل غير مسبوق منذ أن وطأ الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، إذ يعانون من ممارسات تعذيب جسدي ونفسي، بدءاً من التجويع الممنهج وصولاً إلى الأمراض الفتاكة، التي تفشى بين المعتقلين دون تقديم العلاج المناسب. وفي وقتٍ نفسه، أصبح الاعتقال الإداري لعدد غير معروف من الفلسطينيين الذين يُحتجزون دون محاكمة أو تهم، سمة يومية عامة في الضفة الغربية، ما يفاقم المعاناة اليومية للأسرى في السجون المكتظة بشكل غير مسبوق في تاريخ دولة الاحتلال.

وسط حرب الإبادة.. كم يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال؟
- يحلّ "يوم الأسير الفلسطيني" في 17 أبريل/نيسان من كل عام، وهو يوم أقرّه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974، تكريماً لنضال الأسرى في السجون الإسرائيلية. يحيي الفلسطينيون هذا اليوم في هذا العام تحت ظروف توصف بأنها الأصعب والأشد ولم يسبق لها مثيل، مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى، وتزايد وتيرة الإخفاء القسري والاعتقال الجماعي منذ بدء الإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب بقطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.
- وكانت العادة، أن تُنظم بهذه المناسبة فعاليات ومسيرات احتجاجية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ومخيمات اللاجئين خارج فلسطين، لتسليط الضوء على أوضاع الأسرى والمعتقلين والانتهاكات التي يتعرضون لها. لكن حجم الحرب والدمار التي تتعرض له غزة وحجم التنكيل والعمليات العسكرية الإسرائيلية اليومية غطى على إحياء هذا اليوم.
- حتى مطلع أبريل 2025 تجاوز عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 9900 أسير، بينهم 3498 معتقلاً إدارياً يُحتجزون دون تهمة أو محاكمة، وما لا يقل عن 400 طفل، و27 أسيرة، بحسب نادي الأسير الفلسطيني.
- وبحسب رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله زغاري فإن الاحتلال الإسرائيلي نفذ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 15 ألف اعتقال في قطاع غزة وحده، مشيراً إلى عدم وجود إحصاءات عن العدد النهائي، وأن الاحتلال لا يقدم معلومات عنهم.
- ويحيي الفلسطينيون هذا العام "يوم الأسير" بينما تواصل إسرائيل بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
- وبالتوازي يصعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة ما أدى إلى استشهاد أكثر من 950 فلسطينياً، وإصابة قرابة 7 آلاف، واعتقال 16 ألفاً و400 فلسطيني وفق معطيات فلسطينية رسمية.
- قبيل الشروع بالإبادة في أكتوبر 2023، بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال نحو 5250 أسيراً، بينهم نحو 1320 معتقلا إدارياً و40 أسيرة، إضافة إلى 170 طفلاً.
- في الوقت نفسه، ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى (300) شهيدًا منذ عام 1967، وذلك بعد أن ارتقى داخل سجون الاحتلال (63) أسيرًا ومعتقلًا خلال الحرب الجارية، وهذا المعطى لا يشمل كافة شهداء الحركة الأسيرة منذ الإبادة الجماعية، مع استمرار إخفاء هويات غالبية شهداء معتقلي غزة الذين ارتقوا في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
- وتشير مؤسسة الضمير الفلسطيني، إلى أنّ حكومة الاحتلال المتطرفة (حكومة المستوطنين) كانت قد صعدت من حملاتها التحريضية واستهداف الأسرى منذ ما قبل حرب الإبادة في أكتوبر 2023 وكانت تسير إلى التصعيد اجرامها ضد الأسرى من خلال عمليات القمع وسلب الأسرى ما ناضلوا من أجله وانتزعوه خلال إضرابات الحركة الأسيرة طوال السنوات والعقود الماضية.
- وبحسب مؤسسة الضمير، "كانت المرحلة التي سبقت حرب الإبادة، مقدمة لنوايا حكومة المستوطنين التي دعت لإعدام الأسرى عبر الوزير المتطرف (بن غفير) والذي شكل عنواناً يمثل منظومة الاحتلال الإسرائيلي برمتها، التي عملت على التحريض على الأسرى لقتلهم وإطلاق النار على رؤوسهم لحل مشكلة الاكتظاظ في السّجون، وهذه الدعوة هي عنوان المرحلة التي يعيشها الأسرى فعلياً في ظل وجود حكومة مستوطنين تنفذ إبادة على مرأى من العالم وبدعم من قوى دولية واضحة".
أسرى غزة.. المعاناة الأشد بين المعتقلين الفلسطينيين
- كشفت العشرات من التقارير الإسرائيلية عن اعتقال جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة وسط تكتم شديد وإخفاء قسري، وأن المعتقلين يتعرضون لظروف احتجاز قاسية ومرعبة تهدف إلى إيقاع أكبر ضرر ممكن بحقهم وصل حد التعذيب والقتل المباشر وبالبطيء مع تعمد الإهمال الطبي.
- ولا يوجد رقم محدد لعدد الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة القابعين في السجون الإسرائيلية، لكن المنظمات الإسرائيلية قالت في سبتمبر 2024 إن في معسكر "سدي تيمان" وحده والذي يديره الجيش، شهد منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "احتجاز المئات (من الفلسطينيين)، بعضهم يُشتبه في أنهم مقاتلون غير شرعيين، في ظروف يرثى لها، حيث لا تتوفر أسِرَّة أو مأوى مناسب".
- وبحسب هذه المنظمات، أشارت أدلة دامغة إلى الانتهاكات الجسدية والنفسية (التي ارتكبت داخل هذا المعتقل من قبل الجنود الإسرائيليين)، بما في ذلك تقييد أيدي المعتقلين في أوضاع مؤلمة، وإجراء عمليات جراحية دون تخدير، وتركهم معصوبي الأعين لفترات طويلة، والضرب، والإهمال الطبي الشديد". صدرت تقارير حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية أكدت وجود حالات تعذيب وانتهاكات واسعة ضد المعتقلين الفلسطينيين، جميعهم من غزة، في المعتقل.
مشاهد لقوات إسرائيلية تنكل بأسرى فلسطينيين بشكل وحشي وتطلق عليهم الكلمات في سجن "مجدو" الإسرائيلي pic.twitter.com/cNXtA4phYD— عربي بوست (@arabic_post) September 6, 2024
- ونقلت هيئات فلسطينية عن إفادات لأسرى في السجون والمعسكرات أو من الذين تم الإفراج عنهم، أن الأمراض الجلدية مثل الجرب يتفشى بين المعتقلين دون توفير أي علاج أو إجراءات للحد من انتشاره. وذلك بسبب عدم توفر الكميات اللازمة من مواد التنظيف بما فيها التي تستخدم للحفاظ على النظافة الشخصية، إضافة إلى تقليص كميات المياه والمدد المتاحة للأسير بالاستحمام وسحب الملابس من الأسرى".
- وأفادت الشهادات بأن إدارة سجن النقب تُجبر الأسرى على قضاء حاجتهم في براميل وأوعية، وتحوّل الأمراض والإصابات والقيود وحتى الاحتياجات الأساسية إلى أدوات للتعذيب.
- توثّق التقارير أيضاً استمرار عمليات الشبح، والإجبار على الجلوس في وضعيات مؤلمة، وفرض قيود مشددة على الزيارات، يرافقها تهديد مستمر، ما يزيد من تدهور أوضاع الأسرى. وأشار نادي الأسير إلى أن معظم الأسرى يعانون من مشكلات صحية، حتى من دخلوا السجون وهم بصحة جيدة، نتيجة ظروف الاحتجاز القاسية، أبرزها التجويع الممنهج، وانتشار الأمراض، والاعتداءات الجسدية التي تسببت بكسور ونزيف وإصابات مختلفة.
- كما أن العزل الانفرادي والجماعي ترك آثارا نفسية حادة على كثير من المعتقلين، موضحاً أن إسرائيل تواصل عزل عشرات من قيادات الحركة الأسيرة في سجني "مجدو" و"ريمون". فيما تقيد إدارة السجون زيارات الطواقم القانونية من خلال فرض رقابة صارمة وتحديد مواعيد متباعدة.
أبرز الجرائم التي يتعرض لها المعتقلون بحسب الهيئات الفلسطينية:
- ممارسة جريمة الإخفاء القسري التي شكّلت الجريمة الأبرز التي يواصل الاحتلال فرضها على غالبية معتقلي غزة.
- استخدامهم دروعًا بشرية لفترات طويلة خلال العمليات العسكرية البرية.
- ممارسة جرائم التعذيب بحقّهم عبر عدة مستويات مختلفة منها الصعق بالكهرباء، والشبح، والتقييد المتواصل، والضرب المتكرر الذي تسبب بكسر أطراف العديد من المعتقلين، واستخدام الكلاب البوليسية خلال عمليات الاعتداء، والخنق حتى بماء المرحاض.
- ممارسة الجرائم الطبيّة الممنهجة بحرمانهم من العلاج بشكل أساسي، وإجراء عمليات جراحية دون تخدير، وبتر أطراف معتقلين نتيجة لعمليات التقييد المستمرة.
- ممارسة جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية بمستوياتها المختلفة.
- ممارسة جريمة التجويع بحقهم.
- إجبار المعتقلين على التلفظ بكلمات حاطة من كرامتهم، وتمس بعائلاتهم.
- إجبارهم على الجلوس بوضعيات معينة تسبب لهم آلامًا شديدة وبهدف إذلالهم.
- لا يُسمح لأي معتقل الحديث مع أي معتقل آخر، ومن يتحدث يتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح.
- حرمانهم من ممارسة أي شعائر دينية.
انتهاكات جنسية واغتصاب بآلات مختلفة أمام أعين بقية الأسرى..
تفاصيل يرويها لنا المحامي الفلسطيني خالد محاجنة، الذي كان الزائر الأول والوحيد لمعتقل "سيدي تيمان" الإسرائيلي الذي شهد انتهاكات مروعة بحق 1000 أسير فلسطيني احتجزهم الاحتلال فيه. pic.twitter.com/iRwVsX2d9e— AJ+ عربي (@ajplusarabi) July 31, 2024
الأسرى الإداريين.. ملف مفتوح
- يقول نادي الأسير الفلسطيني إن سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية، تُستخدم بوصفها عقوبة جماعية بحق الفلسطينيين، حيث تجاوزت أوامر الاعتقال الإداري الجديدة 11 ألف أمر منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر، مما يترك آلاف الأسرى محتجزين من دون محاكمة أو تهم واضحة، في مخالفة صارخة للقوانين الدولية، وتحديدا اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة.
- وتحول الاعتقال الإداري في فلسطين المحتلة، المستند إلى قوانين الطوارئ التي أقرها الانتداب البريطاني في فلسطين في العام 1945، إلى وسيلة من وسائل القمع والتعذيب يستخدمها الاحتلال الصهيوني لإخضاع وإذلال الفلسطينيين، وهو بحسب المواثيق الدولية يعتبر اعتقالاً تعسفيا، يحوّل المعتقلين إلى رهائن في يد الجهة التي تحتجزهم، دون محاكمات، لفترات طويلة قد تمتد لسنوات، استناداً إلى شبهات يتضمنها ملف "سري" تلفقه وتصنعه أجهزة أمن الاحتلال.
- ويقع إصدار أوامر الاعتقال الإداري دون تحديد عدد مرات التجديد للمعتقلين من سكان الضفة الغربية وغزة بيد الحاكم العسكري الإسرائيلي للمنطقة، فيما يقع إصداره ضمن صلاحيات وزير الأمن الإسرائيلي للمعتقلين من سكان القدس، يمنح القانون الإسرائيلي للقائد العسكري صلاحية إجراء أية تعديلات على الأوامر العسكرية المتعلقة بالاعتقال الإداري بما يتلاءم والضرورة العسكرية، دون الأخذ بالحسبان أية معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين.
- وبحسب الإحصاءات الفلسطينية أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ سنة 1967 حتى العام 2018 أكثر من 52 ألف قرار اعتقال إداري، مستندة في ذلك إلى قانون الطوارئ، سابق الذكر، والأوامر العسكرية. وبعد حرب الإبادة على غزة أصدرت سلطات الاحتلال أوامر اعتقال إداري بحق 11 فلسطيني.
- وتلعب المحاكم الخاصة بالمعتقلين إدارياً دوراً شكلياً تجميلياً، فالجهة الوحيدة التي تقرر في هذا الشأن هي جهاز الأمن العام "الشاباك". وخلال كل مدة الاعتقال تسود حالة من الضبابية والغموض بشأن الأسس التي تم بناء عليها الاعتقال، فالمعتقل كما محاميه لا يعرفان شيئا عن مضمون الشبهات أو التهم، فيصطدم الدفاع أمام المحكمة "الصورية" بعقبة ما يسمى "الملف السري" الذي لا يمكن الكشف عن مضمونه، لأنه بحسب القضاة يكشف عن "مصادر المعلومات وآليات عمل الأجهزة الأمنية".
0 تعليق