منشورات استفزازية وتسجيلات ترهيبية.. هكذا شنّ الاحتلال حرباً نفسية على الفلسطينيين في غزة - بلد نيوز

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

خلال حربه المدمرة المتواصلة على قطاع غزة، لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بإلقاء آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ على المدنيين الفلسطينيين، بل لجأت إسرائيل إلى أساليب أخرى مثل المنشورات والتسجيلات الصوتية، بهدف ترهيب سكان غزة وتدميرهم نفسياً.

إذ ألقت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عشرات ملايين المنشورات طيلة شهور الحرب، لتوصيل رسائل حربية ونفسية لهم، لكن تجربة عام ونصف من العدوان أثبتت فشل هذه الوسيلة الدعائية، بدليل أنها لم تُسفر ولا مرة عن تعاون الفلسطينيين مع الاحتلال أو التجاوب مع منشوراته.

من خلال هذا التقرير يرصد "عربي بوست" الأساليب التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي لترهيب الفلسطينيين في غزة، وتوضيح الطريقة التي يتم من خلالها إسقاط تلك المنشورات وبث التسجيلات، ومن يقف وراء ذلك، وكيف فشل الاحتلال في تحقيق الأهداف التي كان يرمي إلى تحقيقها من وراء ذلك.

إعداد المنشور وصياغته قبل إلقائه في الهواء

بالتزامن مع بدء العدوان الإسرائيلي في الساعات الأولى من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبينما كانت الدبابات والمدرّعات تتحضّر لشنّ هجومها على القطاع، حلّقت الطائرات في أجوائه، وبدأت بإلقاء آلاف المنشورات، بهدف توصيل رسالة مباشرة للفلسطينيين دون وساطة.

ويتم طباعة المنشورات ونقلها على متن الطائرات داخل أنابيب معدنية كبيرة خاصة، وحين تُحلّق في سماء القطاع تقوم بفتحها في الهواء، فتتساقط بعشرات الآلاف خلال لحظات قليلة، وفي بعض الأحيان باتت المُسيّرات ذات المراوح، المعروفة بـ"الكواد كابتر"، تُستخدم لإلقاء المنشورات في مناطق محددة.

ويشرف على إنجاز هذه المنشورات، صياغةً وإنتاجاً، دائرة الأبحاث في قسم الحرب النفسية التابع لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، وهو قسم يُضاف إلى باقي أدوات الدعاية الإسرائيلية المتمثلة بوحدة المتحدث باسم الجيش، واللجان الإلكترونية التابعة لوزارة الخارجية، ثم جهاز "الهاسبارا" الدعائي.

تتخذ المنشورات الورقية أشكالاً مختلفة، منها قصاصات ورقية بيضاء تحمل شعار جيش الاحتلال الإسرائيلي وعبارات التهديد والترهيب المكتوبة بلغة عربية ركيكة، وأخرى على هيئة نصائح وتحذيرات. وجاء بعضها مطبوعاً على عملات ورقية مزيفة من فئة 200 شيكل لإغراء الفلسطينيين بالاستجابة لدعوات التجسس والعمالة.

" frameborder="0">

ولا يقتصر الأمر على منشورات من صفحة واحدة، أو أحياناً قصاصات صغيرة تحمل فكرة معينة أو دعوة مركّزة، بل لجأ الاحتلال لإلقاء منشورات على شكل صحيفة من عدة صفحات تحت عنوان "الحقيقة"، تبثّ دعاية سامة ضد المقاومة.

وتحاول هذه المنشورات استغلال المعلومات الأمنية التي حصل عليها الاحتلال خلال اجتياحه للقطاع لتشويه صورة المقاومين، والتعريض بهم، بجانب إرسال ملايين الرسائل النصية القصيرة للفلسطينيين، ومئات آلاف المكالمات الصوتية التي تتضمن ذات محتوى المنشورات.

وترتبط المنشورات التي يُلقيها الاحتلال الإسرائيلي في أجواء غزة بالحرب النفسية التي يستهدف من خلالها الفلسطينيين، وقد باتت إحدى مفردات عمله الاستخباري، مما يمكن اعتباره جزءاً من هجوم مبرمج يستهدف التأثير على عقولهم ونفسياتهم، كي يصيبهم الوهن والإحباط والتفكك والاضطراب، وتحويل وجهتهم بصورة مخالفة لأهدافهم ومصالحهم.

وتتميّز هذه المنشورات التي يُمطر بها جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان قطاع غزة بأنها مفاجئة سريعة هادئة، تعتمد على الاستدراج البطيء، والغفلة، والسذاجة، من خلال نشر الإشاعات، والتعتيم الإعلامي، وتكرار الحديث عن بعض الظواهر السلبية في الحرب لأسباب أمنية.

أهداف نفسية وأغراض أمنية

لا يُخفي الاحتلال الإسرائيلي أن صياغة هذه المنشورات تُشكّل أحد مفردات الحرب النفسية ضد الفلسطينيين، لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها:

  • بثّ الخوف في نفوسهم، من قبيل: "لن يرحمكم أحد، ستُتركون وحدكم لمواجهة المصير"، و"خريطة العالم لن تتغير إذا اختفى جميع سكان غزة".
  • تحذير الفلسطينيين من التعاون مع المقاومة، وتهديدهم بدفع ثمن باهظ.
  • تهديد المقاومين أنفسهم ممن يقرأون هذه المنشورات، بأن "الموت أقرب إليكم مما تتصورون"، وأحياناً مساومتهم بإلقاء منشورات في مناطق القتال الساخنة، جاء فيها: "من يُلقِ السلاح، ويسلّم الرهائن، سيُسمح له بالخروج والعيش بسلام".
  • محاولة التأثير على الوعي الوطني القومي للفلسطينيين، بمحاولة إغوائهم بمكافآت مالية مقابل تقديم معلومات عن المقاومين أو المختطفين الإسرائيليين، ووضع أرقام هواتف للتواصل.
  • مهاجمة المقاومة، ودقّ أسافين بينها وبين حاضنتها الشعبية، مثل: "ابتعدوا عن الإرهابيين الذين يستخدمونكم كدروع بشرية"، و"يختبئ الحمساويون في أنفاق تحت منازل يوجد فيها المدنيون".
  • تحميل المقاومة المسؤولية عمّا حلّ بغزة من خراب ودمار، وتبرئة ساحة الاحتلال. وتضمّنت بعض المنشورات رسائل دعائية نفسية ساخرة، استعرضت فيها الدمار الذي خلّفته حرب الإبادة، وعبارات مثل: "هل بات النصر على الأبواب أم ليس بعد؟" وفي منشور آخر: "انتصار جديد للمقاومة"، مرفق برسومات لأطفال وشيوخ ونساء يبكون فوق أنقاض منازلهم التي دمّرها الاحتلال.

ليس سرّاً أن منشورات الاحتلال الإسرائيلي تطلعت لتحقيق جزء من أهدافها المتمثلة بخروج الفلسطينيين للانتفاض على حماس في غزة وتحدي سلطتها، لكن ذلك لم يحصل كما تأمله الاحتلال.

صحيح أن بعض الفلسطينيين في قطاع غزة خرجوا في الأسابيع الأخيرة في مظاهرات عفوية ضد الحرب، والدعوة إلى وقفها، دون الانسياق إلى دعاية الاحتلال الهادفة إلى دقّ الأسافين بين المقاومة وحاضنتها الشعبية.

أساليب موجّهة ومفردات مقصودة

في المقابل، لجأ الاحتلال الإسرائيلي في توزيع منشوراته إلى استخدام جملة من الأساليب المتنوعة، في محاولة منه للاقتراب أكثر من الفلسطينيين الذين يقرؤونها، ومنها:

  • ترديد مفردات موجّهة، وليست عفوية، لتصبح مألوفة لدى الفلسطينيين، مثل: "الإرهاب"، "المخرّبون"، "لا تقفوا مكتوفي الأيدي بينما تستغلكم حماس"، "تحمّلوا مسؤولية مستقبلكم".
  • الاستعانة برسومات كاريكاتورية لإظهار أن المقاومة ترتدّ سلباً على الفلسطينيين، وإظهار تأثيرها السلبي؛ فـ"صورة واحدة بألف كلمة"، كما أن اختيار هذه الرسوم بدلاً من النصوص يهدف إلى جذب الفلسطينيين الذين لا يتقنون القراءة أو الكتابة، وإيصال هدف الاحتلال بطريقة مبسّطة.
  • توزيع قوائم بالمقاومين المطلوبين، بصورهم ورتبهم العسكرية، لتضييق الخناق عليهم في التحرك، ونُشرت منشورات أخرى تتضمن أسماء عشرات المقاومين زعم الجيش أنهم استشهدوا في العدوان، وأرفقت خرائط تُظهر مواقع دفنهم المزعومة.

ولا تقتصر الحرب النفسية التي يشنّها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين على المنشورات الجوية فقط، بل تضاف إليها التسجيلات الصوتية باللغة العربية عبر الهواتف المحمولة، فضلاً عن المتحدث باسمه باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، عبر تغريداته على منصة "إكس".

حيث يتلقى آلاف الفلسطينيين رسائل صوتية مسجّلة من الاحتلال الإسرائيلي، تُحذّرهم فيها من التعاون مع حماس، وتُحرّض على المقاومة، وهي محاولات يائسة للتشويش وزرع البلبلة في الجبهة الداخلية، والتغطية على فشله الذي مُني به حتى الآن في عجزه عن تحقيق أهداف الحرب.

وقد شكّلت المضامين التي تحتويها المنشورات مبادئ عامة تنتهجها مخابرات الاحتلال لإثارة القلق والمخاوف بين الفلسطينيين، وتهديد سكينتهم، وزعزعة الأمن النفسي المجتمعي، والتشكيك بقدرات المقاومة، لكن هذه الأخيرة نجحت في نشر روايات مضادة لسردية الاحتلال عبر منشوراته، عزّزت الدعم الشعبي لها.

منشورات تضليلية تُوفر مصائد للقتل

شكّلت المنشورات التي يتلقاها الفلسطينيون وهي تتساقط عليهم من السماء، مصدر خوف وقلق حقيقيين، حتى إن بعضها لا يقلّ خطراً عن إلقاء حمم المتفجرات، لأنها تتضمن أوامر بإخلاء مناطق سكناهم تمهيداً لاجتياح واسع أو قصف كبير، وفق صيغة "الأحزمة النارية"، بزعم أنها مناطق قتال، مع الدعوة للتوجه إلى مخيمات النزوح، وإرفاق المنشورات بخرائط ما تُسمّى بـ"المناطق الإنسانية"، والادعاء بأن "الإخلاء حفاظاً على سلامتهم الشخصية".

مع العلم أن القانون الإنساني الدولي يطالب قوات الاحتلال بإعطاء تحذير مسبق للفلسطينيين بشأن هجماته المسلحة، مع ضرورة أن يكون التحذير "فعّالاً"، وليس غامضاً للغاية كما تقول ذلك المنشورات، التي تُوجَّه عادة بشكل عام إلى سكان المنطقة دون تحديد دقيق.

وكأن المقصود من خلال تلك المنشورات بثّ الذعر في صفوف المواطنين، لا الحرص على حياتهم، لاسيما أن الطائرات تقوم عادة بنشر المنشورات من ارتفاعات عالية، وفوق مناطق واسعة؛ حتى إن العديد من الفلسطينيين لا ينتبهون لها، لأنها كثيرة جداً، ومتناثرة على مساحة واسعة، وغير دقيقة.

كما أن التحذيرات التي تتضمنها لا تُرشدهم إلى الأماكن التي قد يجدون فيها مأوى آمناً، حتى إن ما تصفه بـ"المناطق الإنسانية الآمنة" باتت كذبة كبرى في ظل استهدافها الدائم وبدون إنذار مسبق، سواء مناطق المواصي على ساحل بحر خانيونس، أو المدارس التابعة لوكالة الأونروا التي يلجؤون إليها.

" frameborder="0">

كما أن الخرائط المرفقة في هذه المنشورات تظهر فيها أرقام مناطق الإخلاء "بلوكات" في شمال القطاع وجنوبه، مع نداء للسكان للعثور على البلوك ذي الصلة بمكان سكنهم، والتصرف في حال طُلب منهم الانتقال منه. وقد نُشرت هذه الخريطة على موقع الجيش باللغة العربية، وضمن المناشير الملقاة من الطائرات.

وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية التي استخدمها قادة الاحتلال الإسرائيلي في الترويج لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، فقد وزّع الجيش منشورات جاء فيها بأسلوب فجٍّ استعلائي: "قريباً.. الخطة ستُجبِركم على النزوح، أعجبتكم أم لا، لأن الخطة ستُجبِركم على النزوح القسري، شئتم أم أبيتم، اللعبة شارفت على الانتهاء".

وتضمّن نفس المنشور أيضاً: "نحن هنا باقون حتى يوم القيامة، أنتم متروكون لوحدكم، إيران عاجزة عن حمايتكم، والولايات المتحدة وأوروبا غير مهتمتين بكم، حتى دولكم العربية، حليفتنا الآن، تُزودنا بالمال والنفط والسلاح، بينما تُرسل لكم الأكفان. انتهى عهد 'التطهير'، فلينقذ كل من يريد نفسه قبل فوات الأوان".

منشورات مع "سجائر" للابتزاز

في ظل الحصار المحكم الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، قرر منع دخول السجائر التي يدخّنها نسبة كبيرة من الفلسطينيين، وقد استغلت المنشورات انقطاع هذه السلعة عن القطاع كلياً، بإلقاء صناديق كاملة منها، ومعها عبارات: "التدخين خطير، لكن حماس أكثر خطورة".

وفي مشهد غير مألوف، سقطت على رمال بحر خانيونس منشورات جديدة، كانت "السجائر" مرفقة بها، مع عبارة: "حماس تحرق غزة"، وبجانبها رقم هاتف للتواصل، وسؤال: "هل تريد المزيد من السجائر؟".

مع العلم أن السجائر التي يدخّنها الفلسطينيون في غزة من نوع "رويال"، وقد بلغ ثمن السيجارة الواحدة 150 شيكلاً، قرابة 40 دولاراً، فيما يصل ثمن العلبة الواحدة قرابة ألف دولار، عقب منع الاحتلال إدخالها عبر المعابر التجارية بهدف زيادة الضغط النفسي عليهم.

لكن ردود الفلسطينيين على هذه المنشورات جاءت سريعة، فقد كتب أحدهم على حسابه في "فيسبوك" مرفقاً منشور الاحتلال: "لم نعد نريد النيكوتين، عندما مُنِعت السجائر من غزة، عادت لنا صحتنا، ستكون معنوياتنا مرتفعة"، فيما بثّ فلسطيني آخر على حسابه في تطبيق "تيك توك" مقطع فيديو جاء فيه: "نحن في غزة ندخّن أوراق البازلاء والذرة والجوافة، وجميع أنواع الأعشاب".

لقد اتخذت هذه المنشورات طرقاً ووسائل عديدة لتحقيق أهدافها الأمنية بصورة مرحلية، عبر إثارة الإشاعات، والبلاغات الكاذبة، والدعايات في صفوف الرأي العام الفلسطيني، بهدف غرس الخوف والرعب والتمزق في نفوسهم من جهة، وهزّ ثقتهم بالمقاومة من جهة أخرى.

كما اعتمدت هذه المنشورات على بث الإشاعات، وعرض معلومات منقوصة ومشوّهة، فنراها تارةً تُركّز على خطاب عاطفي، وتارةً أخرى تُقدّم خطاباً جامداً بارداً يجعل الجماهير الفلسطينية تعيش إحباطاً من شأنه أن يُنفّرها من المقاومة، ويُشهّر بها، وينزع عنها الصفة الإنسانية، ويشيطنها.

لكن كل هذه الأساليب فشلت في استمالة الرأي العام الفلسطيني نحوها، أو في تبرير ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات تصل حدّ الإبادة الجماعية.

فشل الإغراء المالي رغم الحاجة

فيما وصلت الفاقة والعوز ذروتهما بين الفلسطينيين في غزة، وتضييق الخناق على سبل العيش الكريم أمامهم، وانتشار المجاعة في أسوأ صورها، فقد دأب الاحتلال على إلقاء منشورات كُتب عليها: "من أجل مستقبلكم، سيحصل كل من يدلي بمعلومات عن أماكن قادة حماس على مكافأة مالية".

ووضع الاحتلال مبلغاً مالياً خاصاً بكل قائد، تراوح بين 100 إلى 400 ألف دولار، وحملت منشورات أخرى صوراً وأسماء مقاومين قادوا هجوم السابع من أكتوبر.

كما ألقت الطائرات منشورات خاصة بالإدلاء بمعلومات عن المختطفين مقابل مكافأة مالية، زاعمةً ضمان السرية التامة، وجاء نص المنشور حرفياً: "إذا كنت تريد مستقبلاً أفضل لنفسك ولطفلك، فاتخذ إجراءً، وقدم لنا معلومات موثوقة ومفيدة بشأن المختطفين في منطقتك في أقرب وقت ممكن".

وقد حملت المنشورات صوراً لعشرات المختطفين في غزة، تطالب الفلسطينيين بإبلاغ جيش الاحتلال الإسرائيلي في حال التعرف على أي منهم.

كما تعمّدت بعض المنشورات بشكل علني ومباشر ابتزاز وإجبار الغزيين على العمل كمخبرين مع الاحتلال، الذي زعم اكتشاف بيانات سرية لأجهزة الأمن في غزة عن أشخاص ذوي مسلكيات غير أخلاقية، وفي بعض الأحيان نشرت صور عدد منهم، وبثّت أحاديث مزعومة نُسبت إليهم، وكشفت عن أرقام بطاقاتهم الشخصية "الهُوية"، ودعتهم للتواصل مع الجيش قبل فوات الأوان، في دعوة مباشرة للتجسس لصالحه.

اللافت أنه لم تثبت أشهر الحرب الطويلة استجابة أي من الفلسطينيين لهذه الدعوات، الأمر الذي ترك إحباطاً وخيبة أمل في صفوف الاحتلال، ورغم هذا الجهد الدعائي الهائل الذي بذله، فلا يبدو أن هناك نتائج إيجابية لهذه المحاولات، لأنه رغم المبالغ الطائلة التي عُرضت مقابل الإبلاغ عن أسراه في غزة أو آسريهم، من خلال المنشورات، فقد فشل في استرجاع أي منهم بهذه الطريقة.

شكلت المنشورات التي يتلقاها الفلسطينيون مصدر خوف وقلق حقيقيين/ رويترز
شكلت المنشورات التي يتلقاها الفلسطينيون مصدر خوف وقلق حقيقيين/ رويترز

توظيف الاحتلال الإسرائيلي للمفردات الدينية

لجأت المنشورات الإسرائيلية إلى استخدام المفردات الدينية كالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، للاقتراب أكثر من الجمهور الفلسطيني، ومنها: "يا قادة حماس، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وهو حديث نبوي شريف، مع صور مجازر، وعبارة: "الفتح الصادق، مع نجمة داوود".

وبعد مجزرة المستشفى المعمداني في غزة التي راح ضحيتها أكثر من خمسمئة شهيد، ألقت الطائرات منشورات كُتب عليها: "فأخذهم الطوفان وهم ظالمون"، في إشارة لهجوم السابع من أكتوبر الذي أسمته حماس "طوفان الأقصى".

وجاء في منشورات أخرى ألقاها الاحتلال الإسرائيلي، آيات قرآنية تتحدث عن الابتلاء والمصيبة وأجر الصابرين، وأشهرها: "ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرين".

وقبيل شهر رمضان، ألقت الطائرات منشورات على تجمعات النازحين في رفح، جاء فيها أن "الحرب ستطول حتى شهر رمضان، رمضان يجمعنا". ومع دخول الشهر الكريم، وفي ظل المجاعة المستشرية، ألقت الطائرات منشورات جاء فيها: "أطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام، صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً، وإفطاراً شهياً".

واحتوت منشورات الاحتلال الإسرائيلي على صور لفوانيس الزينة الخاصة بالشهر الفضيل، مع أن الاحتلال ذاته هو الذي يُجوّع هؤلاء الصائمين، ويدفعهم للصوم القسري أياماً وليالي طويلة بسبب الحصار الظالم.

لقد استخدم الاحتلال منشوراته كواحدة من تكتيكات حربه النفسية ضد الشعب الفلسطيني، واستراتيجيات التأثير السيكولوجي على نطاق واسع، بهدف التأثير فيه، وتحطيم معنوياته، واختراق حاجز الصلابة النفسية لمقاومته، وتعزيز السرديات السلبية عنها، مما يدفع نحو استمالته لتقبّل ثقافة الاستسلام.

لكن كل الجهود الإسرائيلية واجهت انتكاسات كبيرة بفعل التقارير الحقوقية المضادة التي وثّقت جرائم وانتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأبرزت معاناة المدنيين وتأثير الحصار على قطاع غزة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق