شهدت القاهرة واحدة من أغرب وأخطر قضايا النصب في السنوات الأخيرة، حيث استغلت عصابة محترفة الطابع الديني لدى المواطنين وحبهم لفعل الخير، واستولت على أموالهم من خلال قناة فضائية غير مرخصة.
القصة بدأت بقيام أفراد العصابة بتأسيس قناة فضائية داخل شقة سكنية في إحدى المناطق، وبثّت برامج دينية تروّج لمشروعات خيرية وهمية، وتمكنت من جمع ملايين الجنيهات بزعم تمويل مشروعات "الصدقة الجارية" و"زراعة النخيل في سبيل الله".
خداع باسم الدين
ومع عرض القناة برامج دينية، بدأ المتابعون يشاهدون مذيعين يرتدون زي المشايخ، ويطرحون أفكارًا دينية تؤثر في قلوب الناس، واستخدمت عناوين جذابة من بينها: "زرع نخلة باسمك في الجنة" و"تبرعوا الآن للمحتاجين"، مع إظهار حالات مرضية مزعومة تُطلب لها التبرعات كان الخطاب مؤثرًا ومُعدًا بعناية، يتم تقديمه بأسلوب يلامس مشاعر المتبرعين، مما يثير رغبتهم في تقديم الأموال دون تفكير.
مشروعات وهمية
ومع مرور الوقت، بدأ المواطنون يلاحظون شيئًا غريبًا، فحتى وإن تبرعوا، لم يتلقوا أي معلومات أو تفاصيل عن استخدام الأموال.
وبعد فحص القناة وجمع المعلومات، اكتشفت الأجهزة الأمنية أن القناة التي تُبث من شقة سكنية في القاهرة، تروج لجمعية خيرية لا وجود لها في السجلات القانونية أو الرسمية.
وكانت هذه الجمعية مجرد اسم مُستعار يتم التلاعب به، كما تبين أن المتبرعين كانوا يقدمون أموالهم نقدًا للمندوبين الذين يأتون إلى منازلهم، في غياب تام للرقابة أو الحسابات البنكية.
شيوخ كومبارس وإيصالات مزيفة
كما كشف رجال الأمن أن القناة كانت تستخدم شيوخًا كومبارس، يعملون بأجر، ويتظاهرون أمام الكاميرات بأنهم يقدمون مواعظ دينية ويحثون الناس على التبرع. حالات مرضية تم تمثيلها أيضًا أمام الكاميرا، وبعضها كان مختلقًا، كما تم استخدام صور للأيتام والفقراء لتشجيع المواطنين على التبرع.
وأظهرت التحريات أن المندوبين كانوا يذهبون للمنازل ليجمعوا التبرعات، ويعطون المتبرعين إيصالات ورقية مكتوبة عليها اسم الجمعية، لكن دون أي أختام أو توثيق رسمي، كان كل شيء يبدو كعملية رسمية، لكن الحقيقة كانت أن كل الأموال التي تم جمعها كانت تُرسل إلى جيوب المتهمين.
الضربة الأمنية
وعقب تقنين الإجراءات، داهمت قوات الأمن الشقة التي كانت تُستخدم كاستوديو للبث، ليكتشفوا نحو مليون جنيه نقدًا مخبأة داخل جوالات بلاستيكية، وهو المبلغ الذي تم جمعه من المواطنين في فترة قصيرة، دون أي وثائق أو حسابات بنكية.
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على 4 متهمين من القائمين على القناة، وهم معدو البرامج والمسؤولون عن إدارة العمليات، الذين اعترفوا بتفاصيل الجريمة.
النصب وغسل الأموال
وتم تحرير محضر رسمي بالواقعة، وأُحيل المتهمون إلى النيابة العامة، التي بدأت في التحقيق معهم بتهم النصب، والاحتيال، وإنشاء قناة فضائية بدون ترخيص، وجمع تبرعات بدون إشراف حكومي كما تم فتح تحقيقات موسعة لتحديد كافة المتورطين في هذه الشبكة الإجرامية.
التبرعات غير الرسمية
من جانبه، أكدت وزارة الداخلية في بيان لها على ضرورة أن يتحرى المواطنون الدقة قبل التبرع لأي جهة أو جمعية، وأوصت بعدم تقديم تبرعات إلا عبر القنوات الرسمية التي تمتلك تراخيص قانونية وحسابات بنكية معتمدة، محذرة من عمليات النصب التي تتخذ من الدين ستارًا لها.
قضية "الخير الوهمي" كشفت عن الطريقة الجديدة التي يستخدمها بعض النصابين لاستغلال مشاعر الناس في فعل الخير، وتحذر الأجهزة الأمنية من هذه الظاهرة التي تهدد أموال المواطنين.
0 تعليق