الرحلات الإدراكية - بلد نيوز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرحلات الإدراكية - بلد نيوز, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 10:27 مساءً

من المشاهدات في التجارب والممارسات المتعددة أنك إذا أردت أن يكون لديك حيازة للمعرفة والمعلومة في جانب لم يكن ضمن رادار المعرفة لديك، بأن تعيش مع المعلومة وتدخل في دهاليزها وتمارس الدوران في الأروقة حولها وتنشغل بتطبيقاتها، وبذلك ستجد نفسك بعد فترة وجيزة امتلأت بهذه المعرفة ليس فقط على الجانب النظري وإنما دبت معالم النضج لديك في شرايين الإدراك حول ذلك المجال الذي أردت التركيز في تنامي المعرفة فيه.

بعيدا عن آليات التعلم والفاعلية في هذا الجانب ودون مبالغة أصبحت أردد بأنك إذا أردت امتلاك المعلومة والإدراك البانورامي فقط يحتاج إلى استعداد نفسي من حيث الإرادة والأمر الآخر بأن تصرف وقتا كافيا بأن تعيش مع المعلومة بحثا واطلاعا مع الكثير من الممارسات والتطبيقات.

وهذا الموضوع أجزم بأنه أحد أهم المواضيع التي يجب للإنسان أن يدور حول فلكه في جميع مراحل حياته، فالعقل البشري الذي هو مناط الأمانة والاختلاف عن بقية المخلوقات وأداة الحوكمة التشغيلية والرقابية الرئيسية للإنسان يستحق تلك الإرادة الهائلة والوقت الكافي. وعندما تتأمل في كثير من الآيات القرآنية التي يتنوع فيها استخدام المرحليات التعليمية وحيازة المعرفة، كالسمع والبصر والأفئدة والعقول والتدبر والحكمة والبصيرة وغيرها من المفردات التي تشير إلى دلالة الاختلاف المرحلي في التعامل مع المعلومة وأن لكل مرحلة شأنا مختلفا في الإدراك والحيازة المعرفية. وهذه بمثابة السنة الكونية بمجرد أن تتماشى في طوعها ستذهلك النتائج، الدكتور ستيفن كوفي في محاضراته وكتبه الرائعة التي تدور حول التغيير الفردي الإيجابي والدوران في فلك الإدراك يتحدث بإسهاب حول أن الإدراك والتغيير دائما يبدأ من الفكر ويترجم بالسلوك ومن ثم يصبح جزءا من الشخصية. أعتقد أن الوضوح التام لهذه السنة الكونية لديك سيحسن من التفكير في آليات التفكير والتعلم والحيازة المعرفية، فالمعلومة الجديدة ستأخذ مكانها لديك وكأنها نقطة ابتداء تمر بمراحل التفكيك والتأمل والربط والتحليل، وستكون منشغلا بتلك الأسئلة الإدراكية التي تبدأ بماذا ولماذا وتنتهي بكيف وماذا بعد، ستحرص على المعلومة المتأنية وليست ذات التردد السريع، فالمعلومة النوعية تحتاج إلى إحاطة إدراكية تأخذ مكانها في نفسك، وأما المعلومة السريعة سيغشى طوفان سرعتها معالم عمقها وتأثيراتها المحتملة. في مجالات الكراسي الدراسية مثلا أعتقد أن تلك المواد العلمية التي تنشغل بمشاريع بحثية نوعية وصادقة في توجهها يكون أثرها التعليمي أكثر جودة وبقاء في حيز إدراك المتعلم، وبرامج التعلم في شهادات الدبلوم أو البكالوريوس والتي تأخذ حيزا لا بأس به في التدريب والتعلم العملي إذا توافر فيها الضبط التدريبي ستكون أكثر فاعلية، وكذلك في مجالات الأعمال مثلا، أعتقد أن ورش العمل النقاشية والعملية في تأثيرها أفضل من تلك القرارات الجاهزة والمعلبة، والتعلم من خلال العمل (On job training) أفضل من التعلم التدريبي التلقيني لكونه يحتوي على المعلومة والممارسة، وتجد الكثير من المعاهد المحترمة التي تقدم منتجات تطويرية تحرص في نماذج عملها على أن تلقي بالا أوسع في تصاميمها التدريبية للجوانب العملية على مجرد المعلومات التلقينية، والدوران الوظيفي (Rotation) إذا توفرت فيه الآليات الصحيحة للعمل والتعلم سيكون بمثابة هدية السماء للموظف لأنه تطوير تدريبي في مجال جديد لك سيفتح الآفاق على مصراعيه للنمو والتقدم. النمو الحقيقي وقفزات الوعي والتوافق مع سنة الله في خلقه في تنامي الإدراك لا يحتاج إلى موهبة خاصة أو عضلات فريدة بل يحتاج إرادة. وما بين أول معلومة نسمعها مرورا بكل التراكم المعرفي الذي يحصل، وآخر أثر يترك بصمته فينا، هناك شيء واحد بجانب الإرادة المستمرة لا بد منه وهو الزمن.

الفهم ليس تراكما للصدف والإدراك والنضج لا يمكن أن يحصد بطريقة عشوائية غير منظمة أو من خلال الاستعجال. ضوابط الرحلات الإدراكية تكون بالالتزام بالمسير وعدم القفز وسقاية رغبة التعلم بالإرادة وأخذ الوقت الكافي والاستمتاع بالرحلة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق